لطالما لعب مسيحيّو الشرق لاسيّما السريان منهم دورًا هامًا في تكوين هوية الشرق. وذلك من خلال احتكاكهم مع مجتمعهم العربي والغربي، فشكّلوا بذلك جسر العبور بين الحضارتين. فهم من جهةٍ كانوا يعملون كمترجمين في الدولة الإسلامية من خلال ترجمتهم الكتب اليونانية إلى السريانية في بادئ الأمر ومن ثم إلى اللغة العربية لكي تكون بمتناول اليد، ومن جهةٍ ثانية ساهموا في تأليف الكتب في كافة المجالات. وهذا ما أراد الكاتبان إظهاره في هذا الكتاب. وهذا ما حذا بالكثير من الخلافاء العبّاسيين إلى جعلهم يقيمون في بلاطهم بشكلٍ شبه دائم ووثقوا بهم لدرجة أنّهم ما كانوا يقومون بأي عمل من دون الحصول على موافقة السريان، كما أنّهم ائتمنوهم على صحّتهم الشخصية وعلى صحّة عائلاتهم فمثلًا الخليفة العبّاسي الأمين بن هارون الرشيد ما كان يأكل أو يشرب إلّا بإذنٍ خاص من طبيبه جبرائيل بن بختيشوع بن جورجيس وهذا يدلّ على الثقة العمياء التي كان يتمتّع بها الطبيب عند الخليفة، فكانوا يكشفون على النساء في غرفةٍ منفردة من دون أنّ يتواجد شخصٌ آخر أثناء المعاينة الطبّية كما تقتضي العادات الإسلامية. ولكن مع الأسف تبدّلت الأحوال وأصبح المسيحيون المشرقيون مضطهدين، فقلّ بسبب ذلك عدد المسيحيين في الشرق (في العراق وسوريا ومصر ولبنان…)، الأمر الذي أدّى إلى هجرتهم وإلى تراجع العالم العربي الإسلامي فكريًا وحضاريًا.